سورة فصلت - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} بالقرآن، {لَمَّا جَاءَهُمْ} ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب: {إن الذين كفروا}، على تقدير: الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم. وقيل: خبره قوله من بعد: {أولئك ينادون من مكان بعيد}. {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} قال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: كريم على الله. قال قتادة: أعزه الله عز وجل عزًا فلا يجد الباطل إليه سبيلا.
وهو قوله: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} قال قتادة والسدي: الباطل: هو الشيطان، لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه.
قال الزجاج: معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه، فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه، وعلى هذا معنى {الباطل}: الزيادة والنقصان.
وقال مقاتل: لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله. {تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم.
فقال: {مَا يُقَالُ لَكَ} من الأذى، {إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} يقول: إنه قد قيل للأنبياء والرسل قبلك: ساحر، كما يقال لك وكذبوا كما كذبت، {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} لمن تاب وآمن بك {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لمن أصر على التكذيب.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ} أي: جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس، {قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا} بغير لغة العرب، {لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها، {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} يعني: أكتاب أعجمي ورسول عربي؟ وهذا استفهام على وجه الإنكار، أي: أنهم كانوا يقولون: المنزل عليه عربي والمنزل أعجمي.
قال مقاتل: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على يسار، غلام عامر بن الحضرمي، وكان يهوديًا أعجميًا، يكنى أبا فكيهة، فقال المشركون: إنما يعلمه يسار فضربه سيده، وقال: إنك تعلم محمدًا، فقال يسار: هو يعلمني، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {قُلْ} يا محمد، {هُوَ} يعني القرآن، {لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} هدى من الضلالة وشفاء لما في القلوب، وقيل: شفاء من الأوجاع.
{وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} قال قتادة: عموا عن القرآن وصموا عنه فلا ينتفعون به، {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أي: أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم، وهذا مثل لقلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون.


{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك، {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم، {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} من صدقك، {مُرِيبٍ} موقع لهم الريبة.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}.
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي: علمها إذا سئل عنها مردود إليه لا يعلمه غيره، {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} قرأ أهل المدينة والشام وحفص: {ثمرات}، على الجمع، وقرأ الآخرون {ثمرة} على التوحيد، {مِنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها، واحدها: كم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني الكفرى قبل أن تنشق. {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} إلا بإذنه، يقول: يرد إليه علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنتاج. {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} ينادي الله المشركين، {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} الذين كنتم تزعمون أنها آلهة، {قَالُوا} يعني المشركين، {آذَنَّاكَ} أعلمناك، {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} أي: من شاهد بأن لك شريكًا لما عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام.


{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ} يعبدون، {مِنْ قَبْلُ} في الدنيا {وَظَنُّوا} أيقنوا، {مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} مهرب.
{لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ} لا يمل الكافر، {مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} أي: لا يزال يسأل ربه الخير، يعني المال والغنى والصحة، {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} الشدة والفقر، {فَيَئُوسٌ} من روح الله، {قَنُوطٌ} من رحمته.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا} آتيناه خيرًا وعافية وغنى، {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} من بعد شدة وبلاء أصابته، {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أي: بعملي وأنا محقوق بهذا، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} يقول هذا الكافر: لست على يقين من البعث، فإن كان الأمر على ذلك، ورددت إلى ربي إن لي عنده للحسنى، أي: الجنة، أي: كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة. {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: لنقفنهم على مساوىء أعمالهم، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6